علي بن أبي طالب
في ميادين الجهاد
54- علي وأبو اليقظان
عن عمار بن يسار قال : كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذي العشيرة , فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل فقال لي علي : يا أبا اليقظان هل لك أن تأتي هؤلاء فتنظر كيف يعملون ؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم , فانطلقت أنا وعلي , فاضطجعنا في صور من النخل , في دمعاء من التراب فنمنا , فو الله ما أهبنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله , وقد تتربنا في تلك الدمعاء , فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : يا أبا تراب , لما رأى عليه التراب قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين . فقلنا : بلى يا رسول الله , قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه ( يعني قرنه ) حتى تُبل منه هذه ( يعني لحيته ) .
55- ابن عمي ناشدني الرحم
في غزوة أحد بدأ القتال بمبارزة بين علي بن أبي طالب وطلحة بن عثمان وكان بيده لواء المشركين وطلب المبارزة مراراً , فخرج إليه علي بن أبي طالب , فقال له علي : والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى يعجلك الله بسيفي إلى النار أو يعجلني بسيفك إلى الجنة , فضربه علي , فقطع رجله فوقع على الأرض فا نكشفت عورته فقال : يا ابن عم أنشدك الرحم , فرجع عنه ولم يجهز عليه , فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال لعلي بعض أصحابه : أفلا أجهزت عليه ؟ قال : إن ابن عمي ناشدني الرحم حين انكشفت عورته فاستحييت منه .
56- ذهب بعض شأنكم
في غزوة بني النضير : فقد الصحابة علي بن أبي طالب ذات ليلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( إنه في بعض شأنكم )) فعن قليل جاء برأس غَزوَكَ وقد كمن له حتى خرج في نفر من اليهود يطلب غرة من المسلمين , وكان شجاعاً رامياً فشد عليه علي رضي الله عنه فقتله , وفر اليهود .
57- فإني أدعوك إلى النزال
قال ابن إسحاق : وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين بعد أن اقتحمت خيل المشركين ثغرة في الخندق حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعدو نحوهم , وكان عمرو بن ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراح , فلم يشهد يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلما لُيرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال : من يبارز ؟ فبرز له علي بن أبي طالب فقال له : يا عمرو , إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه , قال له : أجل , قال له علي : فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام , قال : لا حاجة لي بذلك , قال : فإني أدعوك إلى النزال , فقال له : لم يا ابن أخي ؟ فو الله ما أحب أن أقتلك , قال له علي : لكني والله أحب أن أقتلك فحمى عمرو عند ذلك , فاقتحم عن فرسه فعقرها , وضرب وجهه , ثم أقبل على علي , فتنازلا وتجاولا فقتله علي وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة .
58- يا كتيبة الإيمان
قال ابن هشام : إن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة : يا كتيبة الإيمان وتقدم هو والزبير بن العوام وقال : والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لاقتحمن حصونهم , فقالوا : يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ ولما حكم سعد بن معاذ أن تقتل مقاتلتهم , وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم الأموال فكان من الذين يباشرون القتل علي بن أبي طالب والزبير رضي الله عنهما .
59- هو خاصف النعل
في غزوة الحديبية وقبل الصلح , خرج بعض العبيد ( الأرقاء ) من مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه مواليهم بإرجاعهم , فرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعهم وقال : (( يا معشر قريش لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين , قد امتحن الله قلبه على الإيمان )) فسأله الصحابة بتلهف : من هو يا رسول الله ؟ وكلهم يرجو أن يفوز هو بهذه الشهادة العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : (( هو خاصف النعل )) وكان قد أعطى علياً نعلاً يخصفها .
60- رجل يحب الله ويحبه الله
توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه إلى خيبر وكانوا ألفاً وأربعمائة , ونازل حصون خيبر وبدأ يفتحها حصناً حصنا ً. واستعصى حصن القموص على المسلمين وكان علي ابن أبي طالب رمداً , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه , يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله )) فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطيها ؟ فلما أصبح الناس , غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه . قال : (( فا رسلوا إليه )) فأتى به , فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ كأنه لم يكن به وجع , فأعطاه الراية , فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا . فقال : (( انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم , ثم ادعهم إلى الإسلام , وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه , فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير وكان من صور بطولته أن خرج له مرحب ملكهم وهو يقول :
قد علمت خيبر إني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي :
أنا الذي سمتني أمي حيدرة كليث غابات كرية المنظرة
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه .
61- علي وزيد وجعفر يختصمون
بعد عمرة القضاء لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج من مكة , تبعته ابنة حمزة تنادي : يا عم , فتناولها علي , فأخذ بيدها وقال لفاطمة : دونك ابنة عمك , فاختصم فيها علي وزيد وجعفر , قال علي : أنا أخذتها وهي ابنة عمي وقال جعفر : هي ابنة عمي وخالتها تحتي , وقال زيد : ابنة أخي ,فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال : (( الخالة بمنزلة الأم )) وقال لعلي : أنت مني وأنا منك , وقال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي , وقال لزيد : أنت أخونا ومولانا , وقال علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تتزوج بنت حمزة , قال : (( إنها ابنة أخي من الرضاعة )) .
62- أجرنا من أجرت
قالت أم هانئ بنت أبي طالب – أخت علي رضي الله عنهما – لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فر إلي رجلان من أحمائي , من بني مخزوم وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي , قالت : فدخل عليّ علي بن أبي طالب أخي , فقال : والله لأ قتلنهما , فأغلقت عليهما باب بيتي , ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة , فوجدته يغتسل من جفنة إن فيها أثر العجين وفاطمة ابنته تستره بثوبه , فلما اغتسل أخذ ثوبه , فتوشح به ثم صلى ثماني ركعات من الضحى , ثم انصرف إلي فقال : (( مرحباً وأهلا يا أم هانئ ما جاء بك ؟ )) فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي فقال : (( قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فلا يقتلهما )) .
63- يستخلفه النبي على المدينة
حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك , استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة علياً , فوجد المنافقون فرصة للتنفيس عما بداخلهم من حقد ونفاق فأخذوا يتكلمون في علي رضي الله عنه بما يسيء إليه , فمن ذلك قولهم : ما تركه إلا لثقله عليه , وعند ذلك أدرك على الجيش وأراد الغزو معهم قائلاً : يا رسول الله أتخلفني في الصبيان والنساء , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى , غير أنه لا نبي بعدي )) .
64- تشرفه بغسل النبي ودفنه
قال علي : غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئاً وكان طيباً حياً وميتاً , وقال : بأبي طالب , طبت حياً وطبت ميتاً وكان علي من ضمن من نزل في قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وباشروا دفنه هو والفضل بن العباس وقثم بن عباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .