-
بيعة حسن بن علي خليفة للمسلمين
وبعد مقتل علي بن أبي طالب صلى عليه الحسن بن علي وكبر عليه أربع تكبيرات ودفن بالكوفة . وكان أول من بايعه قيس بن سعد قال له: ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه , وقتال المحلين فقال له الحسن رضي الله عنه : على كتاب الله وسنة نبيه فإن ذلك يأتي من وراء كل شرط , فبايعه وسكت وبايعه الناس , وقد اشترط الحسن بن علي على أهل العراق عندما أرادوا بيعته فقال لهم : إنكم سامعون مطيعون , تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت .
35- بين علي وابنه الحسين
ذكرت كتب التاريخ : أن علياً سأل ابنه – يعني الحسن – عن أشياء من المروءة , فقال : يا بني ما السدّاد ؟ قال : يا أبت السداد دفع المنكر بالمعروف .
قال : فما الشرف ؟ قال : اصطناع العشيرة و حمل الجريرة .
قال: فما المروءة ؟ قال : العفاف وإصلاح المرء حاله .
قال : فما الدقة ( الحقارة ) ؟ قال : النظر في اليسير ومنع الحقير .
قال : فما اللؤم ؟ قال : إحراز المرء نفسه وبذله بحرسه .
قال : فما السماحة ؟ قال : البذل في العسر واليسر .
قال : فما الشح ؟ قال :أن ترى ما في يديك شرفاً وما أنفقته تلفاً .
قال : فما الإخاء ؟ قال : الوفاء في الشدة والرخاء .
قال : فما الجبن ؟ قال : الجرأة على الصديق والنكول على العدو .
قال: فما الغنيمة ؟ قال : الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة .
قال : فما الحلم ؟ قال : كظم الغيظ وملك النفس .
قال : فما الغنى ؟ قال : رضا النفس بما قسم الله لها وإن قل فإنما الغنى غنى النفس .
قال : فما الفقر ؟ قال : شره النفس في كل شيء .
قال : فما الذل ؟ قال الفزع عند المصدوقة ( أي الحملة الصادقة التي ليس لها مكذوبة ) .
قال : فما الجرأة ؟ قال : موافقة الأقران .
قال : فما الكلفة ؟ قال : كلامك فيما لا يعينك .
قال : فما المجد ؟ قال : أن تعطي في الغُرم وأن تعفو عن الجُرم .
قال : فما العقل ؟ قال : حفظ القلب كل ما استرعيته .
قال : فما الخرق ( الجهل والحمق ) ؟ قال : معاداتك إمامك ورفعك عليه كلامك .
قال : فما الثناء ؟ قال : إتيان الجميل وترك القبيح .
قال : فما الحزم ؟ قال : طول الأناة والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الظن هو الحزم .
قال : فما الشرف ؟ قال : موافقة الإخوان , وحفظ الجيران .
قال : فما السفه ؟ قال : اتباع الدناة ومصاحبة الغواة .
قال : فما الغفلة ؟ قال : تركك المسجد وطاعتك المفسد .
قال : فما الحرمان ؟ قال : تركك حظك وقد عرض عليك .
36- حج الحسن ماشياً
كان الحسن كثير الحج إلى بيت الله الحرام كلما سمحت ظروفه وتيسر حاله , فقد حج الحسن ما شياً ونجائبه تقاد من جانبه خمساً وعشرين مرة وكان الحسن يقول : إني استحي من ربي عز وجل أن ألقاه ولم أمش إلى بيته .
37- وهبته الذي وهبتني إليه
ذكروا أن الحسن رأى غلاماً في حائط المدينة يأكل من رغيف لقمة ويطعم كلباً هناك لقمة , فقال له : ما حملك على هذا ؟ فقال : إني أستحي من أن آكل ولا أطعمه , فقال له الحسن : لا تبرح مكانك حتى آتيك فذهب إلى سيده فا شتراه واشترى الحائط الذي هو فيه , فأعتقه وملكه الحائط , فقال الغلام : يا مولاي قد وهبت الحائط للذي وهبتني له .
38- الحسن والشامي
ذكر ابن عائشة أن رجلاً من أهل الشام , قال : دخلت المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام , فرأيت رجلاً راكباً على بغلة , لم أر أحسن وجهاً ولا سمتا ولا ثوبا ولا دابة منه فمال قلبي إليه فسألت عنه , فقيل : هذا الحسن بن علي بن أبي طالب فامتلأ قلبي بغضاً له وحسدت علياً أن يكون له ابن مثله , فصرت إليه , فقلت : أأنت ابن علي بن أبي طالب ؟ قال : أنا ابنه , قلت : فعل بك وبأبيك أسبهما , فلما انقضى كلامي , قال لي : أحسبك غريباً , قلت : أجل , قال : مر بنا فإن احتجت إلى منزل أنزلناك , وإن احتجت إلى مال آسيناك أو إلى حاجة عاوناك , قال : فانصرفت عنه وما على الأرض أحب إلي منه , وما فكرت فيما صنع , وصنعت إلا شكرته وخزيت نفسي .
39- إن الله لا يحب المتكبرين
مر الحسن بن علي رضي الله عنه على جماعة من الفقراء قد وضعوا على الأرض كسيرات من الخبز كانوا قد التقطوها من الطريق , وهم يأكلون منها فدعوه إلى مشاركتهم . فأجابهم إلى ذلك وهو يقول : إن الله لا يحب المتكبرين , ولما فرغ من تناول الطعام دعاهم إلى ضيافته , فأطعمهم وكساهم وأغدق عليهم من إحسانه .
40 – أخاف أن أسأل عن ذل مقامه
ذكر صاحب كتاب الشهب اللامعة في السياسة النافعة : أن رجلاً رفع إلى الحسن ابن علي رضي الله عنهما رقعة فقال : قد قرأتها حاجتك مقضية , فقيل له : ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نظرت إلى رقعته وراجعته على حسب ما فيها , فقال : أخاف أن أسأل عن ذل مقامه بين يدي حتى أقرأها .
41- الغيرة على النسب النبوي
دخل سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما السوق لحاجة يقضيها فساوم صاحب دكان في سلعته , فأخبره بالسعر العام , ثم علم أنه الحسن بن علي رضي الله عنهما سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقص في السعر إجلالاً له وإكراماً , ولكن الحسن بن علي رضي الله عنهما لم يقبل منه ذلك وترك الحاجة , وقال : إنني لا أرضي أن أستفيد من مكانتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء تافه .
42- أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة
قدم رجل المدينة وكان يبغض علياً فقُطع به ( افتقر واحتاج ) فلم يكن له زاد ولا راحلة فشكا ذلك إلى بعض أهل المدينة , فقال له : عليك بالحسن بن علي , فقال له الرجل : ما لقيت هذا إلا في حسن وأبى حسن ؟ فقيل له : لا تجد خيراً إلا منه فأتاه فشكا إليه فأمر له بزاد وراحلة , فقال الرجل : الله أعلم حيث يجعل رسالته , فقيل للحسن : أتاك رجل يبغضك ويبغض أباك فأمر له بزاد وراحلة , قال : أفلا أشتري عرضي منه بزاد وراحلة .
43- أدب حتى مع الفقراء
كان الحسن ذات يوم جالس في مكان فأراد الانصراف , فجاءه فقير فرحب به ولا طفه وقال له : إنك جلست على حين قيام منا أفتأذن لي بالانصراف ؟ قال : نعم يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
44- سؤال من يهودي
اغتسل الحسن رضي الله عنه وخرج من داره في بعض الأيام وعليه حلة فاخرة ووفرة ظاهرة ومحاسن سافرة فعرض له في له طريقه شخص من محاويج اليهود ( أي من فقرائهم ) وعليه مسح من جلود , قد أنهكته العلة وركبته الغلة والذلة , وشمس الظهيرة قد شوت شواه وهو حامل جرة ماء على قفاه , فاستوقف الحسن رضي الله عنه وقال : يا ابن بنت رسول الله سؤال , قال : ما هو ؟ قال : جدك يقول : (( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )) وأنت مؤمن وأنا كافر , فما أرى الدنيا إلا جنة لك تتنعم بها وما أراها إلا سجناً علي قد أهلكني الله ضرها وأجهدني فقرها , فلما سمع الحسن كلامه قال له : يا هذا لو نظرت إلى ما أعد الله لي في الآخرة لعلمت أني في هذه الحالة بالنسبة إلى تلك في سجن , ولو نظرت إلى ما أعد الله لك في الآخرة من العذاب الأليم لرأيت أنك الآن في جنة واسعة , ويعلق الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله على القصة فيقول : لقد كان الحسن بن علي حاضر البديهة فأجاب بجواب مقنع مفحم حيث أوضح له حالته التي يشكو منها إنما هي كالجنة بالنسبة إلى عذاب الآخرة الذي أعد للكافرين , وأن حاله الحسن التي ظنها نعيما إنما هي كالسجن بالنسبة إلى نعيم الجنة الذي أعد للمتقين .
45- إجلال ابن عباس للحسن والحسين
قال مدرك أبو زياد : كنا في حيطان ابن عباس والحسن والحسين فطافوا في البستان فنظروا ثم جاؤوا إلى ساقية فجلسوا على شاطئها فقال لي الحسن : يا مدُرك أعندك غذاء ؟ قلت : قد خبزنا , قال ائت به , قال : فجئته بخبز وشيء من ملح جريش وطاقتي بقل فأكل ثم قال : يا مدُرك ما أطيب هذا ؟ ثم أتى بغدائه – وكان كثير الطعام طيبه – فقال : يا مدرك اجمع لي غلمان البستان قال : فقدم إليهم فأكلوا ولم يأكل . فقلت : ألا تأكل ؟ فقال : ذاك أشهى عندي من هذا – ثم قاموا فتوضأوا ثم قدمت دابة الحسن فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه , ثم جئ بدابة الحسين فأمسك له ابن عباس بالركاب وسوى عليه فلما مضيا قلت : أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما ؟ فقال : يا لكع أتدري من هذان ؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأن أسوي عليهما .
46- ما قامت النساء عن مثله
قال عبد الله بن عروة : رأيت عبد الله بن الزبير قعد إلى الحسن بن علي في غداة من الشتاء باردة قال : فو الله ما قام حتى تفسخ جبينه عرقاً فغاظني ذلك , فقمت إليه فقلت : يا عم ! قال : ما تشاء ؟ قال : رأيتك قعدت إلى الحسن بن علي , فأقمت إليه حتى تفسخ جبينك عرقاً , قال : يا ابن أخي إنه ابن فاطمة لا والله ما قامت النساء عن مثله .
47- أكرم الناس أبا وأما وجداً وجدة وخالاً وخالة وعماً وعمة
قال معاوية – وعنده عمرو بن العاص وجماعة من الأشراف - : من أكرم الناس أباً وأماً وجداً وجدة وخالاً وخالة وعماً وعمة ؟ فقام النعمان بن العجلان الزُرقاني , فأخذ بيد الحسن فقال : هذا أبوه علي وأمه فاطمة وجده رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدته خديجة وعمه جعفر وعمته أم هانئ بنت أبي طالب وخاله القاسم وخالته زينب .
48- محاولة لاغتيال الحسن
وقعت المحاولة الأولى لاغتيال الحسن بعد أن كشف نيته في الصلح مع معاوية وهذه المحاولة يبدو أنها جرت بعد استخلافه بقليل . فقد أخرج ابن سعد في الطبقات ( أن الحسن بن علي لما استخلف حين قتل علي فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بالخنجر والحسن ساجد فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهر ثم برئ , فقعد على المنبر فقال : يا أهل العراق اتقوا الله فينا , فإنا أمراؤكم وضيفناكم , أهل البيت الذين قال الله : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) فما زال يقول ذلك حتى ما رُئي أحد من أهل المسجد إلا وهو يخن بكاء .
49- وفاة الحسن
لما حضر الحسن , فقال للحسين : ادفنوني عند أبي – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – إلا أن تخافوا الدماء , فإن خفتم الدماء فلا تهريقوا في دماً , ادفنوني في مقابر المسلمين , فلما قبض تسلح الحسين وجمع مواليه , فقال أبو هريرة : أنشدك الله ووصية أخيك فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء , قال : فلم يزل به حتى رجع . قال : ثم دفنوه في بقيع الغرقد ( مقبرة أهل المدينة )
50- جنازة الحسن
لما مات الحسن رضي الله عنه وقف أبو هريرة رضي الله عنه على مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ويناديني بأعلى صوته : يا أيها الناس مات اليوم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فابكوا وقد اجتمع الناس لجنازته , حتى ما كان البقيع يسع أحداً من الزحام ولو طرحت إبرة ما وقعت إلا على إنسان .
51- الحسن وتمر الصدقة
ذات مرة والحسن طفل صغير أخذ تمرة من تمر الصدقة ووضعها في فمه , فنزعها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما سأل في ذلك قال : إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة .
52- حب النبي للحسن والحسين
كان النبي صلى الله عليه وسلم محباً للحسن والحسين , وكان يحلو للنبي صلى الله عليه وسلم أن يداعب الحسن والحسين . وقد روى جابر أنه دخل يوماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فرأى الحسن والحسين على ظهره وهو يمشي بهما على أربع , ويقول
نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما ) ( والعدل : حمل الجمل ) وكان الحسن والحسين ينموان نمواً حسناً , وكان أحياناً يذهبان للمسجد فقد روى بريدة فقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذا جاء الحسن والحسين , عليهما قميصان أحمران , يمشيان ويعثران , فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ثم قال : صدق الله { إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم } نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران , فلن أصبر حتى قطعت حديثي ورفعهما .
53- النبي يسقي الحسن والحسين
زار النبي الكريم يوماً بيت علي بن أبي طالب , فوجده هو وفاطمة نائمين وسمع أحد السبطين يستسقى , فأبت عليه رحمته وشفقته أن يوقظ النائمين , ووجد شاة عجفاء , فمسح على ضرعها , وأخذ يحلبها فدرت بإذن الله , وأحست الزهراء بوجود أفضل الآباء فنهضت إليه وتقدم أحد الطفلين يريد أن يشرب قبل أخيه , فنحاه برفق وسقى الآخر فقالت فاطمة : يا رسول الله كأنه أحبهما إليك ؟ قال : (( لا , ولكنه استسقى قبله )) , وبذلك لم يكتفي بتقديم الشراب إليهما , ولكنه انتهز الفرصة ليبث في الطفلين منذ الصغر أكرم العادات , فقد علمهما أن ينتظر الواحد منهما دوره وأن يؤثر شقيقه على نفسه . ولما شرب الحسن والحسين قال النبي صلى الله عليه وسلم الرحيم لفاطمة : (( أنا وإياك وهذان وهذا الراقد ( أي علي ) في مكان واحد يوم القيامة ))