أرادت شاة الحج إلى بيت الله الحرام ، ورغبت بمحرم معها ليرافقها في سفرها ، فسمع بذلك الذئب ، وتظاهر بشيخ وقور عاقل حكيم ، وبدأ يدعو الناس إلى الله وإلى فضائل الأعمال ومكارم الأخلاق ، ذهب الذئب إلى الشاة ، وطلب مرافقتها ليكون محرماً معها في سفرها ، وأعطاها بذلك عهد الله ورسوله بألا يخونها ولا يغدر بها مطلقا ، وأن تكون له أختاً في الله ، يقدم لها كل الخير ويساعدها فيما تريد ، ويوفر لها الحماية في الطريق .
صدقت الشاة حديث الذئب ووافقت على أن يرافقها في سفرها ، وفي الطريق المقفرة الموحشة بدأ الذئب يفكر في حيلة ليأكلها ولكنه قال : إنني أخذت على نفسي عهد الله ورسوله ألا أخونها .
كانت الشاة حاملاً ، وفي الطريق ولدت ثلاثة من الشياه فازداد طمع الذئب ، وفكر في حيلة ليفتك بها وبصغارها ، فيتمتع في وجبة شهية لا يشاركه بها احد .
نام الذئب وسط الشاة وصغارها ، وبدأ الصغار يلعبون معه ويقفزون بجانيه ومن حوله .... فقال للشاة الأم : إن صغارك أتعبوني بكثرة اللعب والقفز وسببوا لي الكثير من الإزعاج والضيق ، فإن لم تبعدي صغارك عني فسأضربهم ضرباً مؤلماً لكي أعلمهم الأدب وحسن السلوك ....
بدأت الشاة الأم تستجدي الذئب بألا يضرب صغارها ، ولكن الذئب كان حازماً في موقفه ، فإما أن تبعد الأم صغارها عنه وتعلمهم الأدب ، أو سيضربهم بقسوة لكي يعلمهم بنفسه الأخلاق واحترام الآخرين ....، نام الذئب بوسطهم من جديد رغماً عن أنف الشاة ، وتحت ذريعة أنه سيحميها وصغارها من الوحوش الضارية من أجل أن ينفذ مخططه الخبيث ، واستمر الصغار باللعب والقفز كعادتهم ، فضرب الصغير الأول ضربة فقتله ، ثم تظاهر أمام الأم بالبكاء وبالحزن الشديد ، وحاول أن يقنعها بأنه لم يقصد قتله وانه حريص عليه .... وذهب به بعيداً عن أعين الأم فأكله .
وفي اليوم التالي فعل حيلته التي فعلها بالأمس ، وقتل الصغير الثاني كما قتل الأول .
وفي اليوم الثالث فعل أيضا بالصغير الثالث ما فعله بالصغيرين السابقين ، متبعاً نفس الحيلة والأسلوب .... حتى قضى على الصغار الثلاثة .
بعد أسبوع جاع الذئب جوعاً شديداً ، وفكر بحيلة جديدة يأكل من خلالها الشاة الأم بدون أن ينقض معها عهد الله ورسوله ؛ فقال لها : هل تذكري يوم شتمك لي في يوم كذا وكذا ؟ .
قالت الشاة : أنا لم أشتمك مطلقاً من قبل .
ولكن الذئب كان مصراً على ذلك ، واستمر في نسج الحيل والأكاذيب من أجل الوصول إلى هدفه فقالت له الشاة : هل يشهد أحد بأني شتمتك من قبل ؟ .
قال الذئب : نعم يوجد شاهد على ذلك ، وسوف أذهب الآن وأحضره أمامك ليشهد على شتمك لي ، وبدأت الشاة تبكي البكاء الشديد ، وألمَّ بها مزيداً من الحزن والعذاب ، ولكن الذئب لم يكترث لبكائها ولا لحزنها وعذابها ، وانطلق مسرعاً ليبحث عن شاهد زور له ، وفي الطريق وجد ثعلبا جالسا في جحره ، حيَّى الذئب الثعلب بأجمل تحية وسلام وقال له : أيها الأخ العزيز والصديق المخلص الوفي ، أنت جالس هنا في مكانك ولا صيد شهي ولا طعام ولا شراب ، فما رأيك أن تأتي معي وتأكل لحماً طازجاً شهياً بدون عناء ؟ .
قال الثعلب : لقد بلغ مني الجوع مبلغه ومنذ أيام لم أذق الطعام ولا الشراب .
قال له الذئب : ما عليك إلا أن تأتي معي فأسألك سؤالاً أمام شاة سمينة لذيذة شهية وتجيبني بنعم ، فنحظى معاً بوجبة لا مثيل لها منذ شهور .
قال الثعلب : وما هو سؤالك ؟ .
قال الذئب : سأسألك أمام الشاة : ألا تذكر أخي الثعلب اليوم الذي شتمتني به هذه الشاة ؟ .
وافق الثعلب على طلب الذئب ، وقال له هذا أمر سهل ويسير عليّ ، ولا تقلق أخي الذئب فعندي من الحيل والمكر ما هو أعظم من ذلك بكثير ، وخرجا معاً حتى وصلا إلى الشاة المسكينة الحزينة ، وحان وقت تنفيذ الخطة والظفر باللحم الشهي ، ووقفا أمام الشاة واللعاب يسيل من بين أسنان كل منهما .
وهناك سأل الذئب الثعلب السؤال المتفق عليه فقال الثعلب أمام الشاة : نعم لقد سمعتها تشتمك بأذني ورأيتها أمام أعيني ، وكنت حاضرا شاهداً ناظراً سامعاً في ذلك اليوم .
عندما كان الذئب والثعلب يحيكان في الظلام خطتهما ، وبينما كانت الشاة تعيش ساعات مريرة من البكاء والحزن ، مرّ عليها كلب كبير الحجم ، فرآها على هذه الحالة ثم سألها عن السبب .
حكت الشاة للكلب حكايتها كاملة ، وما تعرضت له على أيدي الذئب هي وصغارها من قبل ، وكيف خرج الذئب ليبحث عن شاهد زور له ، فقال لها :
سأختبئ خلف تلك التلة ، وعندما يأتيان إليكِ سأسمع من الثعلب والذئب ما يريدان منكِ ، ولا تقلقي ولا تحزني ، واستبشري بالخير والأمن والأمان ، وسأتصرف بكل ما يدخل عليكِ البهجة والسعادة بإذن الله تعالى .
وأثناء تنفيذ مكر الثعلب والذئب لخطتهما ، وبينما كان الثعلب شاهد الزور يجيب على سؤال الثعلب بهدوء وسكينة ، وثب الكلب على الثعلب فجأة وثبة قوية ، والتقم رقبته بين فكيه وتحت أسنانه حتى قتله ، فأخذت الذئب الصدمة وهول المفاجأة وفرّ هارباً من هذا المشهد المرعب المخيف ، وعاد من نفس الطريق التي جاء منها عندما كان الثعلب برفقته ، فوجد أبناء الثعلب ينتظرون أباهم لعلهم يحظون بوجبة شهية ، ولكن الثعلب لم يكن مع الذئب كما كان معه من قبل ، سأل أبناء الثعلب الذئب عن أبيهم الذي خرج معه قبل قليل ، فقال لهم : لقد قتل أباكم كذبه وقلة دينه .
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ، وعليكم بالصدق فإن الصدق بر ، والبر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً )) متفق عليه .
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم (( أيكون المؤمن جبانا ، فقال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن بخيلا ، فقال : نعم ، فقيل له : أيكون المؤمن كذَّابا فقال لا . )) رواه مالك .