تاريخ اليمن القديم هو التاريخ الذي يتناول الحضارات الصيهدية في اليمن والمناطق الغربية لعمان وجنوب مايعرف اليوم بالسعودية من الألفية الثانية قبل الميلاد حتى الدخول في الإسلام في القرن السابع. ويقسم التاريخ اليمني إلى مرحلتين، مرحلة مكارب وملوك مملكة سبأ ومملكة حضرموت ومملكة قتبان ومملكة معين وهي ممالك نشأت في فترات زمنية متقاربة ومن ثم فترة الهيمنة الحميرية على هذه الممالك. أهمية هذه الممالك لم تقتصر على المواضع المذكورة آنفا بسبب سيطرتهم على الطرق التجارية أهمها طريق البخور وطريق اللبان كون اليمنيين كانوا محتكرين لتجارة الذهب والطيب والأحجار الكريمة والمر هي عناصر مهمة للعالم القديم. فإمتد نفوذها إلى منطقة ديدان في العلا على مقربة من الحدود السعودية مع الأردن حاليا [1] وعلى السواحل الشرقية في إثيوبيا وأثروا على سكان هذه المناطق فأستعاروا نظام كتابتهم القديم المعروف بخط المسند [2][3][4] وهناك إعتقاد عند الباحثين أن أهل يثرب كانوا جزءا من غرس سبئي أو معيني في الطريق التجارية للعربية الغربية [5][6]
مصادر التاريخ اليمني القديم هو الكتابات المسندية وبعض الكتابات من اليونانيين والآشوريين أما الكتابات العربية بعد الإسلام فلا يمكن الاعتماد عليها وإن كانت تحكي تاريخا بعضه وقع فعلا ولكنها تعتمد على تواتر شفهي وكثير من المؤرخين المتأخرىن لم يكونوا قادرين على فك رموز خط المسند ووقعوا في فخ العصبية القبلية بعد الإسلام [7] إضافة إلى لجوء بعض مؤرخي السيرة النبوية مثل ابن إسحاق وغيره إلى وضع روايات وأبيات شعرية مختلقة على ملوك اليمن القديم لأسباب دينية وسياسية ما شأنه أن اليمنيين القدماء كانوا يحجون إلى مكة وماتواتر عن صراع بين عدنان و قحطان لأجل السيطرة على مكة رغم عدم وجود أي ذكر لمكة في أي كتابة قديمة مكتشفة على كل أراضي الجزيرة العربية نهائيا وليس اليمن فحسب ولا كتابات اليونان الكلاسيكية [8] عدا أن اليمنيين لم يعرفوا قحطان هذا كجد بل عرفوا المسمى كاسم محطة تجارية تابعة لهم في قرية الفاو فهم كانوا يعتقدون أنهم أبناء آلهتهم [9] وغيرها من الإختلاقات التي لا دليل أركيولوجي يدعمها على الإطلاق. فأهمية مكة كمركز تجاري ومحطة لإستراحة القوافل بدأت عقب سقوط الدولة الحميرية عام 525 للميلاد. من النقوش والآثار يتضح أنه كان لليمنيين مقدساتهم وأن الكعبة الموجودة في مكة لم تعني لهم شيئا لوجود عدد كبير من الكعبات منتشرة في أرجاء الجزيرة العربية ومباني المعابد اليمنية القديمة كانت أكثر ازدهارا وأقدم من كعبة مكة [10] فأكثرت كتب التراث الإسلامي في تصوير الكعبة وكأنها كانت كعبة العرب أجمعين بمافي ذلك ملوك اليمن وهو مالا تدعمه الآثار والنقوش [11] فقدسية الكعبة عند الجاهليين لم تكن قديمة ولم تكن موجهة للكعبة بحد ذاتها بل للأصنام التي كانت تحيط بها والتي جلبها التجار معهم لمكة.
شاب التاريخ اليمني القديم عنصر الأسطورة وإرتبط بالجن والخرافات رغم أن بعض الكتابات قد تكون واقعية إلا أن الأساطير غلبت عليه فلم يعد بالإستطاعة تفريق الخيالي عن الواقعي. فإرتبط اليمن القديم بأسطورة الملكة بلقيس أكثر من أي شخص آخر وكان لذلك أثر على الإخباريين فزعموا أن نفوذ الملك سليمان وصل إلى اليمن وأن جنه وعفاريته مسؤولة عن تشييد عدد كبير من المباني الأثرية ومحاولات إلصاق ماجاء القرآن على ذكره مثل ذو القرنين ومثل ذلك من القصص والروايات التي تملأ كتاباتهم.
كان للعرب الجنوبيين نظام زراعي متطور وعرفوا ببناء السدود الصغيرة في كل واد أو "سرن" و"مسرن" (مسرى) كما هو مذكور في نصوص المسند وكان مركز هذه السدود الصغيرة المتصلة ببعضها البعض هو مدينة مأرب القديمة وباسمها عرف السد الكبير (المكون من عدد كبير من السدود الصغيرة المتصلة ببعضها من أرحب إلى أبين) وازدهرت تجارتهم واتصالهم مع ممالك العالم القديم في الهند وبلاد الرافدين ومصر واليونان وكونوا محطات وممالك صغيرة منتشرة في أرجاء الجزيرة العربية مهمتها حماية القوافل من محاولات الأعراب لنهب وسلب محتوياتها [12][13] وأسسوا إحدى أهم ممالك العالم القديم المعروفة باسم ممالك القوافل وبلادهم باسم العربية السعيدة في كتابات المؤرخين الكلاسيكية [14]
محتويات
[أخف] 1 تاريخ البحث العلمي 1.1 الأصول
2 التاريخ 2.1 عصر المكاربة
2.2 عصر الملوك
2.3 التمرد القتباني (400 ق.م - 200 م)
2.4 العصر الذهبي لمعين (1300 ق.م - 100 ق.م)
2.5 مملكة حضرموت (800 ق.م - 300 م)
2.6 السيطرة الحميرية (200 ق.م - 525 م)
2.7 عصر الإنحطاط السبئي
2.8 استفراد الحميريين بالملك 2.8.1 ذو نواس الحميري ومحرقة المسيحيين
3 ممالك صغيرة 3.1 مملكة أوسان
3.2 مملكة جبان
3.3 مملكة نجران
3.4 مملكة كندة
3.5 مملكة هرم
3.6 مملكة نشق
3.7 مملكة دمت
3.8 مملكة ديدان
4 الدين
5 الإقتصاد
6 اللغة 6.1 الزبور
7 المجتمع 7.1 التشريعات والقوانين
8 الفن 8.1 العمارة
9 الجيش
10 سرقة الآثار اليمنية
11 معرض الصور
12 مراجع رئيسية
13 إشارات مرجعية
[عدل] تاريخ البحث العلمي
إدورد جلازر
كان للنمساويين الصدارة في دراسة النصوص اليمنية القديمة وأشهر هولاء المستشرق إدورد جلازر الذي جمع خلال زياراته الثلاث إلى اليمن حوالي 1032 نقش قديم [15] وبالتعاون مع صديقه الفرنسي جوزيف هاليفي الذي درس وحده 800 نقش في القرن التاسع عشر ودخل اليمن وتجول بأرجائها كيهودي متسول من فلسطين ليقي نفسه تحرشات القبائل إذ كانت القبائل لا تتعرض لفقراء أهل الذمة بسوء [16] كانت هناك محاولات متواضعة من بعض مستشرقين إيطاليين ودنماركيين في القرن السادس العشر إلا أنها لم تكن مثمرة. بعد الحرب العالمية الأولى، بدأ عدد من الباحثين المصريين والسوريين "كشيخ الآثريين " المصري أحمد فخري وله كتابان عن اليمن وتاريخها القديم، بزيارة اليمن والمشاركة في أعمال التنقيب والحفريات وأول أمريكي يزور اليمن كان الباحث ويندل فيليبس وعدد آخر من الباحثين مثل ألبرايت وألبيرت جامه وكان كتاب المؤرخ العراقي الراحل جواد علي العبيدي المعنون المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام وأبدى الدكتور جواد رأيه في كثير من المسائل وأطروحات المستشرقين فلم يكن متوافقا معهم كليا ولا مجرد ناقل بل تناول كتابتهم وكتابات المؤرخين العرب بالنقد والتمحيص كذلك فهي أبحاث علمية تحتمل الخطأ والصواب. في عام 1987 قام الباحث الألماني ويرنر دوم بزيارة اليمن وتأليف كتاب "اليمن، ثلاثة آلاف سنة من الفن والحضارة في العربية السعيدة" (إنجليزية:Yemen: 3000 Years of Art and Civilisation in Arabia Felix) تطرق فيها الكاتب لأبحاث حديثة حول تاريخ الفنون والتماثيل والمعتقدات الدينية "للعربية السعيدة". المكتشف من نصوص خط المسند يمثل نسبة ضئيلة للغاية من تاريخ سبأ واليمن بشكل عام، والدراسات قليلة وغير وافية ومعظم النقوش نُسخ من قبل سياح ومستشرقين دخلوا اليمن متنكرين خوفاً على حياتهم ولم تتوفر لهم فرصة لدراسة النصوص والمعابد بشكل دقيق بعيدا عن المنغصات فضلاً أن كل المُكتشف الذي تم دراسته عثر عليه على ظاهر الأرض وماتحتها يتجاوز ذلك بلا شك. فهذه معوقات لا تسمح بتكوين صورة دقيقة ومكتملة عن التطور السياسي للسبئيين وهو مافتح بابا للجدال وإختلاف الآراء والتفسيرات حول دلالات المُكتشف من النصوص [17] وللأسف فإن الأبحاث الآثارية الحديثة في اليمن تتعرض لمضايقات وعرقلة بسبب الإضطرابات [18] [19]
[عدل] الأصول
منحوتة لإمرأة تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد أو بدايات الثانية (القرن العشرين ق.م)
ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الحضارات القديمة منبثقة من حضارات بدائية قامت في العصر البرونزي (إمتدادا للعصور الحجرية) في اليمن أم أنهم نازحين من فلسطين خلال العصر الحديدي. فالبعض يعتقد أن السبئيين وغيرهم كانوا إمتدادا لحضارات بدائية قديمة جدا قامت في اليمن إلا أن الإرتباط اللغوي للعرب الجنوبيين وبالذات مع الكنعانيين يرجح نزوحهم إلى الجنوب على رأي علماء المدرسة الألمانية القديمة [20][21][22] وتبقى مجرد نظرية فسبب النزوح (إن حدث فعلا) لا يزال غير معروف ولكن في الفترة التي عثر فيها على كتابات مسندية قديمة في اليمن، كان المصريين قد توغلوا في كنعان وأخضعوها لحكمهم فيعتقد أن غزو المصريين كان سبب النزوح جنوبا وإقتتالهم مع ممالك محلية صغيرة (ممالك مدينة ـ City States) وهيمنتهم عليها [23] وقد ورد نص مصري عن تلقي الإمبراطور المصري تحتمس الثالث عن هدايا من يمنيين في القرن الخامس العشر وهذه الهدايا كانت بخور ممايدل على قدم سيطرة اليمنيين على مناطق إنتاج البخور ويضعف فرضية النزوح في العصر الحديدي [24] وأبحاث قصيرة في عام 2001 كشفت عن وجود حضارة زراعية تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد وهو مايُفند النظرية المستندة على التوراة بشأن أصول السبئيين [25] فالعامل اللغوي وماجاء في التوراة عن أعراب سبئيين قرب مناطق اليهود هو ماحمل باحثي المدرسة الألمانية القديمة على ترجيح نزوح العرب الجنوبيين من أقصى جنوب فلسطين. فالتوراة ذكر مايٌفترض أنه نسب سبأ ثلاث مرات مختلفة فذكر سبأ من نسل الشخصية التوراتية إبراهيم من ولد إسمه "قيشان" كان شقيقاً لمدين ًالذي أنجب ديدان [26] وذكر أن السبئيين كانوا يغيرون على أيوب ويسرقون بقره ويقتلون الأطفال وهي تعطي دلالة أن عدداً من السبئيين كان بدوياً ويغير على المزارعين في مواقع قريبة من من اليهود[27] وذكر سبأ أخرى شقيقة لحضرموت ومن أبناء يقطان بن عابر وهو الإدعاء الذي تمسك به النسابة والإخباريون الذين ظهروا بعد الإسلام [28] وأنهم كانوا يسكنون "ميشع" ونزحو إلى "سفار" ويعتقد الباحثون أن المقصود بسفار عند اليهود هو ظفار يريم عاصمة الحميريين [29] وذكروا سبأ من نسل كوش [30] وهي إن إثبتت شيئا هو إمتداد نفوذ السبئيين إلى عدة مناطق على شكل مستعمرات وتعدد المناطق التي قدمت منها القوافل السبئية خلط الأمور على اليهود [31] قد ذكر الباحثون عن سياسة العرب الجنوبيين في تكوين مستعمرات وتمهيد الطرق لقوافل ولا شك أن جماعة من السبئيين كانوا يسكنون على مقربة من أرض كنعان [32] وقد عثرت بعثة إسكتشاف أمريكية على آثار من النحاس والحديد وكتابات بخط المسند تعود إلى القرن الثامن ق.م في موقع "تل الخليفة" بالأردن يرى الباحثون أن لها علاقة بالمعينيين في العلا [33][34] هذا لايعني اعتبار التوراة مرجعا ولكن الوارد فيها قد يعطي لمحة لبعض التواريخ فكتاباتهم تشبه كتابات النسابة والإخباريين العرب تتعرض للأهواء والأمزجة والأحقاد وأغلبها بطابع دعائي كاذب وقد عثر الأثريون على كتابات سبئية ومعينية في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية في قرية الفاو بل في العراق كذلك في موقع "وركاء" على شاهد قبر قديم [35] ولايعرف على وجه الدقة ماإذا كان هولاء الذين دونوا بالمسند في العراق يمانيين أم من سكان البلاد الأصليين. واكتشفت كتابات معينية في ميناء "عصيون جابر" وهو حسب العهد القديم أحد الموانئ المهمة للملك سليمان وكتابات مشابهة في القطيف [36][37] ورد في نصوص سومرية كلمة "سبا" في كتابة "لجش تلو" ويعتقد أن المقصود "أرض سبأ" وذلك منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد [38] وقال هومل أن كلمة "سابوم" الواردة في نصوص لملوك أور هي ذاتها سبأ المذكورة في العهد القديم والقرآن [39]
التبادل التجاري كان مبلغ علم العبرانيين فلا يوجد في كتبهم سوى أن السبئيين كانوا أثرياء وتجار بخور ولبان وأحجار كريمة ويظهر أن الأمور إختلطت عليهم بسبب تعدد المواقع التي قدمت منها القوافل السبئية [40] المهم في هذه الكتابات اليهودية هو توصيفها لحال الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية وقد وجدت كتابات تصف وضعا مشابها في كتابات اليونانيين والرومان. كانت الكتابات اليونانية في البداية مبالغ فيها ويشوبها عنصر الأسطورة ولكنها تحسنت بعد الاتصال المباشر لليونانيين باليمنيين القدماء وزيادة أطماع اليونان السياسية كانت دافعا لهم لدراسة الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية ودراسة مواطن ضعفه حتى أنهم خزنوا ماكتبوه عن اليمن القديم في خزانة مكتبة الإسكندرية وأعتبروه من أسرار الدولة التي لا يطلع عليها العامة [41]
أما الوارد بشأن جرهم وإسماعيل فهي قصص متأثرة بتراث ديني والتأكد منها من ناحية الآثار يكاد يكون مستحيلا خاصة أن معظم الأبحاث الأثرية لايثبت وجود هذه الشخصيات وإن وجدت فإنها قد لاتكون بنفس الصورة التي صورتها النصوص الدينية [42] ورد اسم قحطان (الجد الأكبر للقبائل اليمنية وسبأ وحمير كل هذه الممالك حسب معظم النسابة وكتب الإخباريين) ولكن في كتابات مسندية متأخرة للغاية عن القرن الثاني عشر أو التاسع قبل الميلاد ولم تكن بالصورة التي صورها الإخباريين فذكر سبأ وحضرموت ومعين وحمير وقتبان أقدم من ذكر قحطان بمراحل وورد اسم قحطن كأرض وليس جدا ولا حتى جزء من ميثولوجيا دينية قديمة [43] فقد ذكر قحطن كاسم أرض لملك من ملوك الأعراب (ملك بني كندة) وكيف إستطاع الملك السبئي "شاعر أوتر" من إخماد تمرد من جانب " ملك كندت وذات كهلم وقحطن " (ملك كندة وذات كهل وقحطان) [44] وقد تظهر الأيام والاكتشافات ماهو السر وراء أسطورة قحطان هذا فرغم أن عدد النقوش والآثار المكتشفة يتجاوز العشرة الآف نقش إلا أن الباحثين يعتقدون أن ماتحت الأنقاض يتجاوز ذلك وإن لم يكن البحث عن قحطان هو هدف الأركيولوجيين الرئيسي من عمليات التنقيب التي لا زالت في بداياتها [45]
[عدل] التاريخ
وجدت شواهد لقبور ميغاليث تعود إلى العصر الحجري القديم ولا زالت الدراسات بشأن تاريخ اليمن القديم في بداياتها فكثير من الأمور لا زالت غامضة وغير واضحة. بدأت تظهر علامات على تحضر في أواسط الألفية الثانية قبل الميلاد في منطقة صبر تحديدا تعود إلى العصر البرونزي وتسبق الممالك الخمس المعروفة. حيث وجدت أطلال لمدينة قديمة ولها أسواق ومباني صغيرة وحفر تقود إلى مخابئ لتخزين الأمتعة الثمينة ولا زالت الأبحاث جارية حول هذه الحضارة الصغيرة من قبل مختصين ألمان [46] وشهد عصر ماقبل سبأ (المملكة الأكثر ذكرا في نصوص المسند) حضارة بسيطة تتمثل في صناعة تماثيل صغيرة تتعلق بالنساء والخصوبة ومفاهيم القدماء عن الحياة. ويشكل هذا العصر بداية النضج الديني وتبلوره في اليمن إذ ظهرت إلى جانب تماثيل الخصوبة، تماثيل لحيوانات كالثيران والوعول وهي حيوانات لعبت دورا كبيرا في الميثولوجيا اليمنية القديمة.
[عدل] عصر المكاربة
مقال تفصيلي :مملكة سبأ
تصوير لكاهنة يتقبل أضحية. ووجدت عدد من التماثيل المشابهة لأناس بنفس الوضعية ولنفس الغرض
المكاربة هم من كان يمثل السلطة الدينية في اليمن القديم وكانوا أعلى طبقة إجتماعية في البلاد ويقومون بدور الملوك في الدولة ومقامهم مقام الوسيط بين الناس والآلهة فكلمة مكرب تعني مقرب أو قريب [47] وكانوا يعتبرون في اليمن أقرب الناس إلى آلهتهم [48] وأختلف الباحثون في تحديد فترة حكم أول مكرب فبعضهم جعلها في 750 قبل الميلاد [49] ومنهم قدرها بالقرن العاشر ـ التاسع قبل الميلاد [50]
كان المكاربة يحكمون سبأ وحضرموت وقتبان باستثناء مملكة معين وحمير فلم يكن لهم وجود في هاتين المملكتين [51] في الفترة ما بين القرن الثاني عشر والتاسع قبل الميلاد نشأت مملكة سبأ ومملكة حضرموت ومملكة معين ومملكة قتبان وكانت العلاقة بينهم في البدايات جيدة حتى إن بعض ملوك حضرموت ومعين كانوا إخوة من أسرة واحدة [52] ذكر المؤرخ اليوناني إراتوستينس أن جنوب الجزيرة العربية أو (Eudaimon Arabia العربية السعيدة ) كانت تخضع لأربع ممالك أو مجموعات وصفها بإثنيات [53]
كان النظام قبليا وحدد المكاربة أدوار القبائل وسنوا القوانين الدينية لتنظيم المجتمع وأستطاعوا بفضل سلطتهم الدينية أن يفرضوا سلطتهم على ممالك صغيرة غير معروفة العدد إلا أن بعضها ذكر مثل "مملكة نشق" و"مملكة هرم" و"حمير" في بداياتها. فكانت مملكة هرم من ولد المقه وحمير من ولد عم فالمقه كان إله السبئيين وعم كان إله قتبان [54] فكانت الممالك الصغيرة تحكم أراضيها ذاتيا وتقدم القرابين لإله المملكة الكبيرة تعبيرا عن الولاء والخضوع [55] وفي هذا العصر أبتكر خط المسند للتدوين. كانت أغلب الكتابات هي لذكر قربان يقدمه متعبد لصنم أو إله أو ذكرى بناء منزل أو معبد ولم تظهر نقوش النصر والمعارك إلا في القرن السابع أو الخامس قبل الميلاد [56] وأستطاع عدد من المكاربة من تشييد عدد من السدود الصغيرة لحفظ المياه والاستفادة من مياه الأمطار لري الأراضي واكتشف عدد من الرسومات الفنية والنقوش المصورة لحيوانات في الغالب تعود إلى هذه الفترة ونقوش تشير إلى بناء وتشييد لمعابد، معبد اوام تحديدا وذلك في القرن الثامن قبل الميلاد [57] إستطاع اليمنيون تكوين علاقات تجارية مع الهند والآشوريين وأشتهروا بكونهم تجار عطور وطيب وبخور وذهب وفضة وبهارات وكلها عناصر مهمة للعالم القديم مما زاد من ثراء اليمنيين ومكنهم من بناء السدود مما حدا بالكهنة أو المكاربة تغيير ألقابهم إلى ملوك في فترات لاحقة. وتغيير الألقاب الملكية وإضفاء هالة من الفخامة عليها كان منتشرا بكثرة وتبدل اللقب ودخل أطوارا عديدة حسب أهواء الملوك والحكام [58] ورد في نص آشوري للملك سرجون الثاني تلقيه هدية من مكرب سبئي يدعى يثع أمر ووجد اسم المكرب في نقوش يمنية [59] ووجدت كتابة أخرى للملك سنحاريب وتشير إلى تلقيه هدية من مكرب يدعى كرب إيل أو كرب إيلو حسب اللفظ الآشوري [60] ويستبعد أن نفوذ الآشوريين وصل إلى اليمن وهدف إرسال الهدية كان مجرد تعبير عن الصداقة التي تجمع سبأ وآشور لإرتباطات تجارية قديمة بينهما ومن باب التلطف للآشوريين إذ كان للسبئيين تجارة في أسواق العراق [61] ويعود تاريخ الكتابة إلى 715 ق.م [62] ولم يورد الآشوريين اسمه كاملا في النص مكتفين بكرب إيل واسمه الكامل كرب إيل بين. لقبه الآشوريين بملك وهي دلالة على عدم معرفتهم بألقاب حكام العربية الجنوبية في تلك الفترة [63] وقام عدد من المكاربة مثل ذمر علي بإنشاء عدد من السدود مثل سد رحبم وعملوا على إيصال المياه إلى مناطق عديدة في اليمن ثم المكرب يثع أمر بين الذي قام بتعلية سد رحبم وتقوية دعائمه فزاد مساحة الأراضي الزراعية وإزداد ثراء المزارعين في هذه الفترة وبالذات في مأرب التي أصبحت تناقف صرواح عاصمة سبأ في تلك الفترة حوالي القرن الثامن ق.م [64] يظهر في هذه الفترة نقوش عن عدد من الحروب والإنتصارات لسبأ على معين وقتبان ونجران وكعادة النقوش فإنها لا تبدي أسبابا للإقتتال وتكتفي بذكر الموقع واسم الملك وعدد القتلى من الجانب المهزوم. وكان عدد القتلى في نجران هو الأعلى خلال حملة المكرب يثع أمر بين هذه إذ ورد في النص أن خمسة وأربعين ألف شخص قتلوا خلال إحراقه لمدنها وقراها [65] ويعتقد أن المكرب كرب إيل وتر سار على خطى يثع أمر بين في محاولة الهيمنة على الممالك المجاورة وتلقب بالملك لذلك.
[عدل] عصر الملوك
تمثال "يصدقئيل فرع" أحد ملوك مملكة أوسان (الأوس) وهو من التماثيل والآثار القليلة لتلك المملكة
في بدايات القرن السابع قبل الميلاد غير المكاربة ألقابهم من "مكرب سبأ" أو "مكرب حضرموت " إلى ملك سبأ أو ملك حضرموت وكان المكرب السبئي كرب إيل وتر أول من قام بذلك [66] وبدأت الممالك بالهجوم على بعضها البعض ويعتقد أن ملك مملكة أوسان بدأ بالهجوم وإستطاع السيطرة على ممالك صغيرة تابعة لمملكة حضرموت وقتبان. توجه كرب إيل وتر إلى المناطق الساحلية الجنوبية الغربية لليمن للسيطرة على الممالك التي إستولت عليها أوسان متجنبا صداما مباشرا مع الملك. وإستطاع إخضاع هذه الممالك وبلغ عدد القتلى 3000 وأسر 8000، عندها تحالفت حضرموت وقتبان مع سبأ ضد مملكة أوسان وإستطاع هذا التحالف قمع مملكة أوسان ومنعها من أي محاولة للاستفراد بالطريق التجارية وخضعت أوسان وأراضيها لسبأ دون حضرموت وقتبان [67] وترجمة أوسان أو "أوسن" كما وردت في نصوص المسند هي الأوس لإن النون في آخر الأعلام هي أداة التعريف بلغة العرب الجنوبيين القديمة [68] في هذا العصر هيمن السبئيون على جنوب الجزيرة العربية وكانت حضرموت وقتبان ومعين تابعة لهم ولكن ليس بالكلية، فقد أبقت هذه الممالك على استقلالها وحكمها الذاتي إلا أن تأثيرا وهيمنة سبئية واضحة تظهر. وكانت سبأ قد بلغت أوجها حتى القرن الميلادي الأول إلى ظهور الحميريين كقوة مؤثرة [69]
كان كرب إيل وتر هذا ملكا محاربا وقاسيا دأب على إحراق كل من يبدو فيه تهديدا لسلطة سبأ وكبدت حملاته العسكرية خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والزرع وإن قام بأعمال إصلاحية مدونة في النقوش. دون هذا الملك كتابة طويلة يحكي فيها إنجازاته متفاخرا عرفت الكتابة عند المتشرقين باسم "كتابة صرواح" إستبق فيها الملك إنجازاته كاتبا : هذا ما أمر بتسطيره كرب ايل وتر بن ذمر علي مكرب سبأ عندما صار ملكًا، وذلك لإلهه المقه ولشعبه شعب سبأ [70][71] بدأ كرب إيل بشكر إله سبأ القومي المقه ثم ذكر أنه قدم قرابين وكسى صنمي عثتر وهبس شاكرا لهما على مساعدته في توحيد شعب سبأ وأتباعهم بلا تفرقة وأن منت عليه وعلى شعبه الآلهة فمكنته من حصر ماء السيول وإيصالها إلى المرتفعات ليسقي الأماكن المحرومة حتى صارت المياه تسقي كل أراضيه. وتحدث في نفس النص (كتابة صرواح) عن غزوه لأرض المعافر ومضاعفة الجزية عليهم بل إنه أحرق كامل مدنهم هي وقبائل "أروى" و"ضبر" و"شرجب" و"ذبحان" وهزم مملكة أوسان كما تقدم وذكر عدد القتلى منهم فكانوا ستة عشر ألف قتيل وأحرق مدنهم كذلك وقدم ملوكها قرابين لإلهه المقه وأمر جيشه بإزاله كل الكتابات الأوسانية من على قصور ملوكها وهدمها وهو ماقد يفسر قلة الكتابات الواردة عن أوسان. وذكر أنه توجه نحو وادي مرخة شبوة ثم دهس وأحرق أغلب مدنها باستنثاء بعضة قبائل سميت في النقش "عودم" لإنها عظمت المقه ويعتقد الباحثين أن المقصود بعودم قبيلة آل عوذلة المعاصرة في اليمن [72] ويظهر في النص حقدا على ملك أوسان لتعديه على الممالك فكان العقاب السبئي كما يقرأ من النص تدمير كل ممتلكاته وتقديمه هو وباقي سادة قومه قرابين للإله المقه.وذكر الملك السبئي دور حضرموت وقتبان في حملاته هذا وشكره ملوكهما وأمر بإعادة ما إستبلته أوسان منهم ومن حساب أعداد القتلى التي دونها في نقش إنجازاته يصل عدد الضحايا إلى تسعة وعشرين ألف وستمائة قتيل وعدد كبير من الأسرى وختم نصه بأن قدم تمثالا من الذهب إلى الإله عثتر. وسياسة الإحراق وقتل أهل القرى المستسلمة كانت موجودة عند ملوك سبأ والحميريين من بعدهم فالنصوص التي تشير إلى إحراق مدن بالكامل وقتل أهلها كثيرة. وانتقلت العاصمة في هذا العهد أو بعده بقليل من صرواح إلى مأرب وبقيت عاصمة لسبأ ورمزا لها منذ ذلك الحين في القرن السابع ق.م على مايعتقد [73]