الرقعاء السخفاء الحمقى السافهون سبوا الخالق الرازق جل في علاه، شتموا الواحد الذي ذهب بالجمال والكمال والجلال، لا إله إلا هو! فماذا نتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ؛ إنك سوف تواجه في حياتك حرباً ضروساً لا هوادة فيها من النقد الآثم المر، ومن التحطيم المدروس المخصوص، ومن الإهانة المتعمدة، ما دام أنك تعطي، وتبني وتؤثر، وتسطع وتلمع وتبدع، ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتفر من هؤلاء، أما وأنت بين أظهرهم فانتظر منهم ما يسوؤك، ويبكي عينك، ويدمي مقلتك، ويقض مضجعك.
إن الجالس على الأرض لا يسقط، والناس لا يرفسون كلباً ميتاً؛ لكنهم يغضبون عليك؛ لأنك فُقْتَهم صلاحاً أو علماً أو أدباً أو مالاً أو بياناً أو جهداً، فأنت عندهم مذنب لا توبة لك حتى تترك مواهبك، ونعم الله عليك، وتنخلع من كل صفات الحمد، وتنسلخ من كل معاني النبل، وتبقى بليداً غبياً صفراً محطماً مكدوداً، هذا ما يريدون بالضبط.
إذاً: فاصمد لكلام هؤلاء، إذاً: (فاثبت أُحُد ) واصبر على نقدهم وتشويههم وتجريحهم وتحقيرهم، وكن كالصخرة الصامدة المهيبة تتكسر عليها حبات البرد، لتثبت وجودها وتعلن صمودها، وقدرتها على البقاء.
إنك إن أصغيت لكلام هؤلاء وتفاعلت به حققت أمنيتهم الغالية في تعكير حياتك وتكدير عمرك، ألا فاصفح الصفح الجميل، ألا فاعرض عنهم وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ.
إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك، وبقدر وزنك يكون النقد الآثم المفتَعَل.
إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه البشر، ولن تستطيع أن تعقد ألسنتهم؛ لكنك تستطيع أن تدفن نقدَهم وتجنيهم بتجافيك لهم وإهمالك لشأنهم، واطراحك لأقوالهم: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ [آل عمران:119].
وكِلْمَةِ حاسد من غير جُرْم سمعتُ فقلت مُرِّي فانفُذِيني
وعابوها عليَّ ولم تعبني ولم يندى لها أبداً جبيني
حسدوا الفتى إن لمن ينالوا سعيه فالناس أعداء له وخصومُ
كضرائر الحسناء قُلْنَ لوجهها حسداً وبغياً إنه لدميمُ
***
وشكوتَ من ظلم الوشاة ولم تَجد ذا سؤدد إلا أُصيبَ بِحُقَّدِ
لا زلت سِبْط الكرام مُحَقَّداً والتافه المسكين غير مُحَقَّدِ
إنك تستطيع أن تصب في أفواه هؤلاء خَرْدلاًَ بزيادة فضائلك، وتربية محاسنك، وتقويم اعوجاجك.
إن كنت تريد أن تكون مقبولاً عند الجميع، محبوباً لدى الكل، سليماً من العيوب عند العالم، فقد طلبت مستحيلاً، وأمَّلت أملاً بعيداً، ألا يكفيك أن الواحد جل في علاه، القهار تباركت أسماؤه، الكامل تقدست آلاؤه، يقول: {يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي -تعالى الله في عليائه- فإنه يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار، وأما شتمه إياي فإنه يقول: إني اتخذت صاحبة وولداً وأنا الله لم أتخذ صاحبة ولا ولداً } وهذا هو الله جل في علاه، ورسولنا صلى الله عليه وسلم، عندما بلغ الكمال البشري سُبَّ وشُتِمَ وهُجِيَ وقيل له: ساحر، وشاعر، وكاهن، وكذاب، ومجنون، فنزل عليه: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر:85] فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً [المعارج:5].