ما أهمية النجاح فى الحياة ؟
إذا سعى الإنسان نحو شئ لا قيمة له دل سعيه هذا على خواء قلبه، وسطحية عقله. فعلى قدر الهمم تكون الهموم، لذا لا بد من التحقق من أهمية الشيء الذي نسعى نحوه قبل أن نبدأ فى السعى، ومما لا شك فيه أن النجاح مطلب عظيم، وأهميته فى حياتنا لامدى لها ولا حدود، ومن ذلك:
1. قوله تعالى: {هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}:- فلكى نعمر هذه الأرض على الوجه الذي يرضى الله عنا : لا بد أن نكون ناجحين ، ولابد أن نمتلك أهدافا ، وأن نخطط لها ،وأن نمتلك إرادة قوية ، وأن نسعى نحو الهدف سعيا حثيثا ، وأن نمتلك قدرة على التنفيذ ، وثقة فى النفس ، وقوة تحكم فى الذات ، وقدرة على التقييم والتعديل ………إلى غير ذلك .
2. قوله، كما جاء عنه: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه": والنجاح ما هو إلا صناعة الإتقان فى جميع أدوار حياتك: لتصير حياتك متزنة وسعيدة ، وليكون من ذلك المنطلق لتنتج وتمارس المزيد من العطاء لأهلك ومجتمعك الإسلامى، ولأمتك الإسلامية كذلك.
3. قوله تعالى: {إنى جاعلٌ فى الأرض خليفة}: فلا يليق بخليفة الله ألا يكون ناجحا فيما استخلفه الله عليه، فالله قد كرَّم الإنسان ورفعه إلى درجة الخلافة له فى أرضه، فما يجب من هذا الخليفة إلا أن يسود العالم، و أن يكون العالم كله تابعا له، فالله –جل وعلا – قد سخَّر لنا كل شيء: الشمس والقمر والسموات والأرضين والثروات ، ووضع فينا العقل والإرادة لنحكم ونسيطر على أساس سنن الله تعالى ، ومن أسس هذه الخلافة أن نتعلم سنن الله فى الأرض ، وأن نسعى جاهدين للتعامل معها بأفضل الصور التى تحقق لنا أفضل خلافة ، وذلك كله ابتغاء مرضاة الله ، ومن أسس الخلافة كذلك أن نكون رواد العالم فى كل العلوم، وان يكون التقدم التكنولوجي نابعاً من بلادنا، ومن أفراد مسلمين، وأن نمتلك الثروة التى هي من القوة التى أمرنا الله بها، قال تعالى: {وأعدُّوا لهم ما استطعتم من قوة} سورة الأنفال.
4. قوله تعالى: {قد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} سورة الأحزاب: وقد كان رسول الله أنجح البشر كافة فى جميع مجالات حياته ، ومن ذلك أنه :
- نجح فى أن يكون أوثق البشر كافة صلةً برب البرايا، فلم يطمئن لعلمه أنه أحب البشر إلى الله ويخلد إلى ذلك، وإنما أبى إلا أن يكلل هذا الحب بالشكر ، فقام حتى تفطرت قدماه : فلما سئل عن ذلك قال : "أفلا أكون عبدا شكورًا؟! " .
- نجح فى حمل رسالة الله جل وعلا ونقلها للأرض كافة.
- نجح فى تكوين دولة إسلامية متينة ، قاعدتها المدينة المنورة .
- نجح فى تكوين أسرة متينة مترابطة الأواصر قوية العلاقة، كما قال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى".
- نجح فى تكوين شخصيته على الخلق المتين ، حيث كان خلقه القرآن ، بل وجعل همه إنشاء أمة ذات خلق، كما قال : "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق "، حتى شهد له المولى بمتانة الخلق قائلاً تعالى : {وإنك لعلى خلق عظيم}.
- نجح كذلك فى بناء جسد قوى وصحة متينة، حتى كان يحضر الغزوات وهو ابن الستين عاماً، وحتى وفاته، وكان أشجع القوم، فكان أصحابه يحتمون به إذا حمى الوطيس.
- نجح فى تكوين جماعة مؤمنة قوية الإيمان ، مترابطة القلوب ، متآخية فى سبيل الله عز وجل ، شهد الله لهم بالصلاح، قال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ، رحماء بينهم ، تراهم ركعا سجدا ، يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماهم فى وجوههم من أثر السجود...}.
- نجح فى محاربة الجاهلية الشعواء ، وهدم دولة الكفر، ونقض عبادة الطاغوت التى كانت متشربة فى النفوس ، وفى ترسيخ التوحيد فى عقول الناس وقلوبهم ، وتخليص الناس من عادات الجاهلية ورذائلها الملتصقة بهم : كشرب الخمور ، والزنا ، ووأد البنات ، والربا ، واحتقار الفقراء ، وامتهان العبيد ، وامتهان المرأة وإضاعة حقوقها ......
- نجح فى تربية أولاده على خير مثال يحتذى ، حتى كانت منهم "فاطمة الزهراء" سيدة نساء أهل الجنة .
- نجح فى تخطى كل محنه وأزماته ، وتجاوز كل الصعاب، وما أكثرها فى حياته ، بعزمٍ لا يلين ، وبصبر متين.
- نجح فى إخراج الدنيا من قلبه – حتى وهو يمتلكها فى يديه – بل إنها أتته راغمة فتعالت عليها نفسه الأبية ، فلم يفتنه المال ، ولم يفتنه المنصب والملك، ولم يثنه لحظة أن يختار أن يكون عبدا نبيا وليس ملكا نبيا، ولم يُثنه عن أن يختار الرفيق الأعلى يوم خُيّر .
- نجح فى توريث العلم حتى خلّف وراءه علماء ينشرون الخير فى أقطار الأرض كلها، وحتى طار أصحابه فى كل بقاع الأرض يعلون كلمة " لا إله إلا الله ".
- نجح فى أن يخرج الدنيا من قلوب أصحابه ، حتى باعوها ليشتروا رضوان الله ، وتقطعت قلوبهم شوقا إلى جنة الله جل وعلا ،حتى قال أحدهم: "لئن عشت حتى آكل تمراتى هذه إنها لحياة طويلة "، وانكب على عدو الله يقاتله حتى قُتل .
فإن كان نبينا على هذا القدر من النجاح فى حياته، فحقٌ علينا أن نتأسى به.
5. النجاح فى الحياة سبيل تحقيق الرسالة السامية ، والأهداف العليا التى خُلقنا من أجلها ، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات، فهذه العبودية طريقها النجاح.
6. النجاح فى الحياة هو السبيل إلي تحقيق سعادة الدارين ، فالشخص الناجح مطمئن النفس، مرتاح البال، قرير العين، منشرح الصدر، سعيد، مستقر، هادئ ثابت الجنان- بشرط أن يكون نجاحه فى طاعة الله، وإلا قُلب عليه نجاحه تعاسة فى الدارين.
7. النجاح فى الحياة هو سبيل أداء الأمانة التى ائتمننا الله عليها على أكمل وجه لها، فكلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، والنجاح هو سبيل الموازنة بين كافة الأدوار التى تحتويها حياة كل فرد منا، وسبيل إتمام الحقوق إلى أهلها بلا إفراط ولا تفريط.
8. النجاح فى الحياة سبيل متين نحو الانتصار على النفس الأمارة بالسوء وعلى الشيطان ، فالنفس الفارغة وعاءٌ لابد أن يمتلئ بالهوى، وأما الناجحون فلا وقت لديهم للسير مع نزغات الشياطين، ولا مع تسويل النفس وأوهامها وأحاديثها المدمرة، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، بل إن الناجح المنتج لا وقت لديه للمعصية، ولا لمرافقة أصدقاء السوء الفارغين وجلسات البطالة ومشاهدة التلفاز واستماع الأغانى والدخول على المواقع الفاسدة، وعمل العلاقات المحرمة، فالنفس الفارغة دائما هي مأوى كل سوء.
9. النجاح فى الحياة هو السبيل إلى الحفاظ على دقائق العمر الثمينة من الضياع هباءً فيما لايفيد، بل إن الناجحين يتجاوزون المهم إلى الأهم لتحقيق أعلى استثمار لدقائق العمر .
10. النجاح فى الحياة سبيل الحصول على الصحة النفسية المتينة: فالناجح خالٍ من الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية، ومن الأحزان والتشاؤم واليأس، ومن ذهاب النفس مع المشاكل الكثيرة .
11. وأخيراً: النجاح فى الحياة سبيل تحقيق نهضة أمتنا الإسلامية، وسيادتها على غيرها من الشعوب والأمم: (فردٌ ناجح + فردٌ ناجح = أفرادا ناجحين، أفرادٌ ناجحون + أفرادٌ ناجحون = مجتمعا ناجحا، مجتمعٌ ناجح + مجتمعٌ ناجح= أمةً ناجحة).
إذن أنت- أيها الناجح- لبنة فى بناء نهضة الأمة ونجاحها، وتحولها من التبعية إلى الاستقلالية وإلى القيادة لذاتها، بل والسيادة على العالم بأسره، فكل ما تعانى منه الأمة من الضرب والتشريد والتقتيل والضياع والهدم، وتحكم الآخرين فى مصيرها، وإرسال بعثات التنصير التى تستهدف المسلمين خاصة فى أفريقيا لتمد الفقراء منهم بالغذاء والدواء مع المساومة على الكفر: إنما هو من جراء فقر الأمة عن سد حاجات نفسها الأساسية ، فهي تستورد كل شئ ، وتستدين من الغرب ، فيذل الغرب أنوفها، ومع رغيف الخبز تُرسل التعليمات، ولا مناص. وإن تحقق ذلك فالواجب الذى يحتمه علينا ديننا أن ننهض بأمتنا، ولا مناص.
فإن حققنا النهضة ، وحققنا ذلك الاكتفاء الذاتى ، وإن صرنا مورِّدين بدلا من مستهلكين، وإن صرنا اليد العليا بدلاً من اليد السفلى: فسيتبدل حال الأمة، وستصير فى عز بعد ذلها. بشرط أن يتم ذلك على نهج الله وباتباع سبيله.
نعم :-
النجاح فى الحياة سببٌ لكل خير بإذن الله .
فالنجاح هو التمثيل الواقعى العملى للصور المثالية التى نحلم بها، وتدور فى مخيلاتنا، فهو الإنجاز وتحدى الصعاب واختراق المشاكل- وليس فقط مواجهتها.
النجاح فى الحياة سببٌ عظيم فى حسن تقدير المرء لنفسه، وتقدير الآخرين له، ومن ثم مزيد من النجاح، مع نفسه وفى علاقاته مع الآخرين.
وكما قلنا فالنجاح فى الحياة سببٌ عظيم فى سعادة الدنيا والآخرة :فالإنسان الذي يؤدى كل ما هو مطلوبٌ منه- وأولها حق الله عليه- على أتم وجهٍ ممكن يشعر براحة النفس والاطمئنان، كما يشعر الآخرون تجاهه بالحب والتقدير والامتنان والاحترام، فيسعد فى الدنيا والآخرة بأداء الأمانة على الوجه الأكمل، مع الشعور بالتوازن والاستقرار النفسى .
• فالفرق شاسعٌ بين الناجح والفاشل فى كل مظاهر حياتهما:-
فالفاشل عرضة للأمراض النفسية والمشكلات الاجتماعية والتخبط فى الحياة، والوقوع فى الانحراف، ومعاناة الحرمان والخسائر المتتالية، والسير مع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، والوقوع فى مصائد الفارغين من أصدقاء السوء، وبالتالى هو عرضة للتحطم الخلقى والذاتى .
• وأما الناجح فإنه يحمى نفسه من كل ذلك .
فكما قلنا : الناجح = إنسان متقدم فى جميع مجالات حياته.
إضافة إلى أن فى تحقيق النجاح استجابة لداعٍ بداخل كل منا وكأنه فطرة، نحسها حينما نشاهد الناجحين فنفوسنا تهفو إلى ذلك النجاح، وتحب الفوز وتبغض الفشل، بل إن نفوسنا تسعد حينما نحقق القليل من النجاح، وتضيق بصاحبها وتكيل له اللوم حين يقع فى الفشل ويبتعد عن طريق المثالية والكمال، وكأنها النفس اللوامة. فكلٌ منا تنتابه دموع الفرح حينما يحقق فى حياته شيئا عظيما أو يرى الآخرين قد حققوه.
بمعنىً أصح :- لا طريق للتوافق مع النفس إلا بتحقيق النجاح المنشود الذي ضابطه :- أنه لا يخالف أمر الله فى كثير ولا فى قليل.
بل إن الإسلام نفسه بكل ما فيه يدعو إلى هذا النجاح وهذا النمو والتطور وهذه القيادية- كما أسلفنا.
فأول آية نزلت من القرآن تقول: {اقرأ}،إنها لم تقل : صل، ولا صم ولا قم ولا اعبد، بل {اقرأ} اقرأ باسم ربك ، فالعلم المقترن بالدين هو وحده سبيل القيادة لهذا العالم ، وهو هو نفس الطريق الموصل إلى تحقيق العبودية والتوحيد الحق ، وهو كذلك الموصل إلى مرضاة الله وجنته، وبالتالي سعادة الدارين.
وقد فهم سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم أجمعين – هذه الحقيقة الناصعة المرتبطة كل الارتباط بالإسلام:فتعلموا وعملوا وابتكروا وعلّموا حتى قادوا العالم- مشرقه ومغربه- وكانوا رواد الحضارة والتقدم فى كل مجال، وكانوا-بلا منازعٍ- أكبر قوة بشرية على وجه الأرض، وأنجح أمة فى التاريخ كله، فلم تقم الحضارة الأوروبية كلها إلا على ما نقله الغرب من المسلمين فى العصور الوسطى لأوروبا، والتى كانت عصور الجهل والظلام لديهم، وقوة وتمكناً لدينا، حتى ساد الأمة حالة من الفوضى والبعد عن الدين، ومن ثم عن العلم، ومن ثم عن النجاح، فسادها التخلف و التدهور وتراجعت خلف ركب الحضارة مئات بل آلاف الخطوات.
وكانت النتيجة أن علا فوق الهواء الغبار، وساد الأمم من كانت تعلوهم كل أمة، وصار لا حظ للمسلمين من هذا التقدم وتلك النهضة سوى الاستهلاك والنقل والتقليد، ومن ثم مزيد من التبعية والانقياد والتأخر بعد الاستقلال والابتكار والقيادة، ومن ثم مزيد من التحكم فى مصائرنا ومصائر شعوبنا مهضومة الحقوق، بل وحتى فى ديننا. ليس هذا فحسب، بل صرنا كذلك عاجزين عن حماية شباب أمتنا مما يُدس لهم فى تلك الحضارة من سموم تباعد بينهم وبين العفة والخلق المتين، فنأخذ ما يقدَّم إلينا بلا وعى وبلا أن نفكر: أيبنى هذا أمتنا أم يهدمها؟ ونستورد منهم ما يعانون الأمرَّين فى محاولة التخلص – هم – منه.
إن الدين الإسلامى : علوٌ ورفعة فى كل شئ، وفى كل مجال من مجالات الحياة، ولا يرضى أبداً منا بالاستكانة والخنوع والمذلة، فهلم إلى تحقيق رفعة الإسلام وعلو المسلمين فى أرض الله التى استخلفنا فيها.