لقد أمر الله عباده أن يتفكروا ويتدبروا في معاني وكلمات القرآن الكريم ، ووعدهم بالثواب العظيم ، على كل حرف منه عشر حسنات ، ولقد شرع الله تعالى لعباده الطريق الميسور لقراءة القرآن الكريم على مبادئ وصفات معينة حتى يصلوا إلى المقصود وهو تحقيق مبادئه وتطبيق أحكامه ، وأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال " ورتل القرآن ترتيلا ". (المزمل: 4)
وقال تعالى : " وقرءانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ". (الإسراء:106)
ولقد جعل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم للأدواء شفاءً ، وللصدور جلاءً ،
وأن خير القلوب قلب واعٍ للقرآن الكريم ، وخير الألسنة لسان يتلوه ،
وخير البيوت بيت يكون فيه ، وأنه أعظم الكتب منزلة ، فهو النور المبين الذي لا يشبهه نور ، والبرهان المستبين الذي ترتقي به النفوس وتنشرح به الصدور ،
لا شيء أفصح من بلاغته ، ولا أرجح من فصاحته ، ولا أكثر من إفادته ،
ولا ألذ من تلاوته ، من تمسك به فقد نهج منهج الصواب ،
ومن ضل عنه فقد خاب وخسر وطرد عن الباب.
وقال صلى الله عليه وسلم " القرآن أفضل من كل شيء دون الله ، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله عز وجل على خلقه ،
فمن وقر القرآن فقد وقر الله ومن لم يوقر القرآن فقد استخف
بحق الله ، وحرمة القرآن عند الله كحرمة الوالد على ولده
(أخرجه الترمذي والحاكم في تاريخه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يارب حله (أي ألبسه حلة) فيلبس تاج الكرامة ،
ثم يقول يارب زده فيلبس حلة الكرامة ، ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه ،
فيقال له اقرأ وارق ويزداد بكل أية حسنة " رواه الترمذي.
ولننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لمعاذ رضي الله عنه :
" يا معاذ إن أردت عيش السعداء وميتة الشهداء والنجاة يوم الحشر والأمن من الخوف والنور يوم الظلمات والظل يوم الحرور والري يوم العطش والوزن يوم الخسفة والهدى يوم الضلال فادرس القرآن فإنه ذكر الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان ( أخرجه الديلمي ).
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصًا كل الحرص على إتقان القراءة
عندما كان يلقنه إياها جبريل عليه السلام.
وكان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه القرآن كما تلقاه من جبريل عليه السلام ،
ويلقنهم إياه بنفس الصفة.
ثم خص صلى الله عليه وسلم نفرًا من أصحابه أتقنوا القراءة حتى صاروا أعلامًا فيها منهم :
أبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري ،
وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو الدرداء ، ومعاذ بن جبل وغيرهم ،
فكان صلى الله عليه وسلم يسمع منهم القرآن ،
من هذا كله يتبين لنا أن هناك صفة معينة للقراءة هي الصفة المأخوذة عنه صلى الله عليه وسلم
وبها أنزل القرآن فمن خالفها أو أهملها فقد خالف السنة وقرأ القرآن بغير ما أنزل.
[®][^][®][ لمحة موجزة عن تاريخ التجويد][®][^][®]
إن علم التجويد علم توقيفيٌّ كله, لا مجال فيه للإجتهاد , بمعنى أنه نزل به الوحي الأمين , فقد قرأ جبريل الأمين قراءة علمه الله إياها, فتلقاها منه النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعه , وعلم أصحابه القرآن الكريم , كما تلقاه من جبريل عليه السلام, وحثهم على قراءته كما أنزل.
إلا أنه لما انتشر الإسلام في أقطار كثيره لا تعرف اللغة العربية , وتكلم بالقرآن أقوام لا تستقيم ألسنتهم بحروفه , كثر اللحن والخطأ , فخاف علماء المسلمين عليه من التغيير والتحريف , فقام بعضهم بوضع أصول وقواعد تتضمن صحة النطق بالقرآن الكريم , وسموها علم التجويد.
ولم يقم هؤلاء العلماء بوضع قواعد التجويد وضعا من عند أنفسهم , بل كان غاية ما فعلوه النظر إلى ألسنة القراء المتقنين, وهم يتلونه كما تلقونه عنه صلى الله عليه وسلم , فوضعوا للمتأخرين قواعد القراءة التي كان يقرأ بها المتقدمون, فكان عملهم أشبه بعمل النحويين حين استمعوا الى كلام العرب , ووضعوا قواعد اللغة العربية ولإعراب.
ولا ريب أن أحكام التجويد ليست بدعا على لسان العربي, فلقد كانت العرب تعرف ذلك , وكانت تدغم وتقلب, وتخفي , وتظهر , غير أن ذلك لم يكن على وجه منسق وحاسم , حتى أخذت شكلها النهائي في تلاوة القرآن الكريم .
وقد أفادت قواعد التجويد هذه المحافظة على كتاب الله تعالى حتى وصل إلينا سليما من التحريف كما أنزل.